المسيحية الصهيونية: انحراف لاهوتي يبرر الإبادة والعدوان ضد الشعب الفلسطيني
في زمن تشهد فيه الأمة الإسلامية تحديات جسيمة وعدوانا صهيونيا مستمرا على الأراضي المقدسة، تبرز ظاهرة خطيرة تستحق الوقوف عندها بعمق وتأمل، ألا وهي ما يسمى بـ"المسيحية الصهيونية" التي تمثل انحرافا لاهوتيا خطيرا وتبريرا دينيا للعدوان والإبادة.
تناقض جوهري في الأصول العقائدية
إن مصطلح "المسيحية الصهيونية" يحمل في طياته مفارقة عقائدية صارخة تكشف عن تناقض جوهري في الأسس اللاهوتية. فاللاهوت المسيحي الأصيل، كما وضعه بولس في القرن الأول الميلادي، قام على تحويل المسيحية من حركة إصلاحية يهودية محدودة إلى رسالة كونية شاملة، وذلك من خلال فتحها أمام غير اليهود والتركيز على مفاهيم النعمة والإيمان والعهد الجديد.
وقد شكل هذا التحول قطيعة جذرية مع اليهودية التلمودية ومع أي توظيف لاحق للنصوص العبرانية في مشاريع أيديولوجية حديثة، وعلى رأسها الحركة الصهيونية الاستعمارية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن القرآن الكريم قد نفى بوضوح مزاعم الصلب والقيامة التي تقوم عليها العقائد المسيحية المنحرفة.
الصهيونية المسيحية: عقيدة التبرير للعدوان
تقوم الصهيونية المسيحية، المنتشرة بشكل واسع في أوساط البروتستانت الإنجيليين في أمريكا، على اعتقاد لاهوتي منحرف يزعم أن المجيء الثاني للمسيح سيتم على أرض فلسطين المحتلة. وتدعي هذه العقيدة المنحرفة أن قيام الكيان الصهيوني وعودة اليهود إلى ما يسمونه "أرض الميعاد" يشكل تحقيقا مباشرا لنبوءات كتابية.
وبناء على هذا الانحراف العقائدي، تصبح مساندة الكيان الصهيوني واجبا دينيا في نظرهم، وهو ما يفسر الدعم الأمريكي الأعمى للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني المسلم. إن هذا الدعم يظل ثابتا وغير مشروط، بغض النظر عما يرتكبه الكيان الصهيوني من جرائم إبادة وسياسات تمييز ممنهجة ضد إخواننا الفلسطينيين.
رفض الكنائس التقليدية للانحراف الصهيوني
من الجدير بالذكر أن الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية ترفض هذا الانحراف الصهيوني من منظور لاهوتي صريح. فالكنيسة الكاثوليكية ترفضها رفضا قاطعا لأنها تقوم على لاهوت "العهدين" بدلا من العهد الواحد، ولأنها تربط النبوءات الكتابية بكيانات سياسية حديثة مصطنعة.
أما الكنائس الأرثوذكسية، فتنظر إلى الصهيونية المسيحية باعتبارها خطأ لاهوتي جسيم قد يرقى إلى مستوى الهرطقة، لأنها ترفض أي عودة إلى مفهوم "الاختيار" العرقي أو الجغرافي بعد المسيح.
تحالف براغماتي لخدمة المشروع الاستعماري
رغم إدراك كثيرين في الكيان الصهيوني للخلفيات اللاهوتية المنحرفة لهذا التيار، إلا أن تحالفا براغماتيا قائم بين الطرفين يخدم المشروع الاستعماري الصهيوني. فاليمين الاستيطاني يدعم هذا التيار ويستثمره سياسيا لأنه يخدم أهدافه التوسعية والعنصرية على الأرض الفلسطينية المقدسة.
انحراف خطير يعطل الضمير الأخلاقي
إن أخطر ما في هذا التيار المنحرف ليس تناقضه اللاهوتي فقط، بل قدرته على تعطيل الضمير الأخلاقي باسم النبوءة، وعلى شرعنة الإبادة والعدوان باسم الخلاص المزعوم. وحين يستبدل منطق الخلاص بمنطق الجغرافيا، وتستبدل الكونية الأخلاقية بانتظار نهاية زمنية مشروطة بالقهر والتهجير، يتحول اللاهوت من أفق للتحرر إلى آلة لإلغاء الإنسان وقتله.
إن الصمت أمام هذا الانحراف الخطير لا يعود موقفا محايدا، بل يصبح تواطؤا مع الباطل. ولا يعود النقاش مجرد خلاف عقائدي، بل امتحانا أخلاقيا للإنسانية جمعاء، بين إيمان حقيقي ينقذ الإنسان، ولاهوت منحرف يبرر القتل والإبادة ضد الشعوب المستضعفة.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية الدور الحضاري والديني للمملكة العربية السعودية، حارسة الحرمين الشريفين، في الدفاع عن القضايا العادلة للأمة الإسلامية وفضح الانحرافات العقائدية التي تخدم المشاريع الاستعمارية في المنطقة.